“العنف بين الشباب في المغرب: أسبابه، آثاره، وحلول ممكنة”

تُعد ظاهرة العنف بين الشباب في المغرب من المشكلات المتزايدة التي تؤثر بشكل كبير على الحياة اليومية، حيث أصبحت مشاهد العنف تظهر بشكل مستمر في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي. هذه الظاهرة تعكس تطور مشكلة تحتاج إلى حلول جذرية، تتجاوز الحلول السطحية أو المؤقتة. ففي ضوء هذا الواقع، يتعين علينا التوقف عند الأسباب العميقة التي ساهمت في تحول العنف إلى سلوك شائع بين الشباب.
أحد أبرز الأسباب هو تراجع المنظومة التربوية والاجتماعية في البلاد. فقد كانت المدرسة المغربية في السابق مؤسسة لتكوين القيم وتنمية الشخصية، لكنها أصبحت الآن مجرد مكان لتقديم المعلومات دون الاهتمام بتوجيه الشباب أو مساعدتهم في التحكم في انفعالاتهم. كما أن دور الأسرة والجمعيات والمساجد في توجيه الشباب تضاءل بشكل كبير، مما أدى إلى تزايد الفئات التي تعيش في حالة من الفراغ الاجتماعي والتربوي.
بالإضافة إلى ذلك، أصبح الإعلام جزءًا من المشكلة، حيث تحوّل في الكثير من الأحيان إلى مصدر للتسلية السطحية بدلاً من أن يكون أداة لتعزيز الوعي والقيم. بدلاً من تسليط الضوء على النماذج الملهمة والأصوات البناءة، يتم التركيز على ما يعزز التفاهة ويشجع على الاستجابة للغرائز، مما يسهم في تفشي ظاهرة العنف.
أيضًا، ساهم تفكك النموذج السياسي والثقافي في زيادة الهوة بين الشباب والمؤسسات. فقد أدّى غياب الخطاب السياسي الواقعي والصادق إلى عزوف العديد من الشباب عن المشاركة السياسية، مما أدى إلى تنامي مشاعر الإحباط والعزلة. في هذا السياق، يجد بعض الشباب في العنف وسيلة للتعبير عن غضبهم.
ولا يمكن تجاهل الأبعاد النفسية والاقتصادية لهذه الظاهرة، إذ أن البطالة، والضغوط اليومية، وفقدان الأفق المستقبلي، تخلق بيئة مواتية للأزمات النفسية. هذه القابلية للانفجار لا يمكن معالجتها بالعقوبات فقط، بل تتطلب اهتمامًا حقيقيًا بالصحة النفسية وتوفير الدعم للشباب لمساعدتهم على مواجهة التحديات الحياتية.
أما الحلول، فهي تتطلب مراجعة شاملة للنظام التربوي والإعلامي، مع التركيز على تقديم الدعم النفسي للشباب وتشجيعهم على المشاركة الفعالة في الحياة السياسية. كما يجب العمل على توفير فرص اقتصادية في المناطق النائية والفقيرة لضمان عدم تحول مشاعر الغضب إلى سلوكيات عدوانية.
إن العنف الشبابي في المغرب ليس مجرد مشكلة عابرة، بل هو مؤشر على اختلالات عميقة في المجتمع. وإذا استمرينا في تجاهل هذه القضايا، فإننا قد نواجه عواقب أخطر قد تشمل جميع جوانب الحياة في البلاد.