
إعلان الجزائر عن التعبئة العامة يوم 20 أبريل 2025 يأتي في سياق إقليمي متوتر، خاصة مع تصاعد التوترات على حدودها الجنوبية مع مالي، وتطورات متسارعة تشمل تحركات عسكرية محتملة للجيش المالي ومجموعة فاغنر الروسية، إلى جانب مخاوف جزائرية من تداعيات إقليمية أوسع تتعلق بالمغرب والصحراء الغربية. سأحلل العلاقة بين هذه العناصر بناءً على المعلومات المتوفرة:
1.التعبئة العامة في الجزائر
– صادق مجلس الوزراء الجزائري، برئاسة الرئيس عبد المجيد تبون، على مشروع قانون التعبئة العامة، بهدف تنظيم وتأهب الدولة لمواجهة تطورات خارجية محتملة. يشمل ذلك رفع حالة الطوارئ، استدعاء جنود الاحتياط، وتدريب عسكري موسع
– التعبئة العامة تُعد خطوة استثنائية تشير إلى شعور النظام الجزائري بتهديدات أمنية كبيرة، سواء على الحدود الجنوبية مع مالي أو في إطار توترات إقليمية أوسع.
2.العلاقة مع مالي وفاغنر
– تشهد العلاقات بين الجزائر ومالي توتراً متصاعداً منذ مجيء المجلس العسكري إلى الحكم في باماكو عام 2020. الخلافات تكثفت بعد اتهام مالي للجزائر بدعم جماعات إرهابية أو انفصالية (مثل حركات الطوارق)، بينما تتهم الجزائر مالي بانتهاك مجالها الجوي، كما حدث في إسقاط طائرة مسيرة مالية في مارس 2025
– مجموعة فاغنر الروسية، التي تدعم الحكومة العسكرية في مالي، أعلنت مؤخراً عن عملية عسكرية واسعة شمال مالي بالتعاون مع الجيش المالي، بهدف السيطرة على الحدود الجزائرية. هذا التحرك يُنظر إليه كمحاولة للقضاء على الجماعات المسلحة التي تعمل عبر الحدود، لكنه يثير قلق الجزائر التي ترى فيه تهديداً مباشراً لأمنها القومي.
– الجزائر، التي لعبت تاريخياً دور الوسيط في أزمة الطوارق (كما في اتفاق الجزائر 2015)، تشعر الآن بتراجع نفوذها في مالي، خاصة مع تعاون باماكو مع روسيا وتركيا، مما يعزز التنافس الدولي في الساحل
3.العلاقة بالمغرب والصحراء الغربية
– بعض التحليلات، خاصة من وجهة نظر مغربية، تربط التعبئة العامة الجزائرية برد فعل على تقدم المغرب في حسم ملف الصحراء الغربية. المغرب يعزز موقفه دولياً، مع دعم أمريكي وأوروبي متزايد لمقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، مما يضع ضغطاً على الجزائر التي تدعم جبهة البوليساريو
– هناك مخاوف جزائرية من أن يستغل المغرب الوضع الإقليمي المتوتر، بما في ذلك التوترات على الحدود مع مالي، لتعزيز مطالبه التاريخية بـ”الصحراء الشرقية” (مناطق حدودية كانت جزءاً من المغرب قبل الاستعمار الفرنسي). هذه المخاوف تتفاقم مع الخطاب المغربي المتزايد حول استرجاع الأراضي “المغتصبة
– منشورات على منصة إكس تشير إلى أن الجزائر قد تكون تستعد لسيناريوهات تصعيدية، إما لمواجهة عسكرية محتملة مع مالي أو للدفاع عن موقفها في قضية الصحراء الغربية، خشية أن يؤدي حسم الملف لصالح المغرب إلى عزلتها إقليمياً.
4.لتداعيات والتحليل
– **السياق الإقليمي**:
منطقة الساحل تشهد تنافساً دولياً متصاعداً (روسيا، تركيا، فرنسا، الولايات المتحدة)، وتحركات فاغنر تعكس محاولة روسيا تعزيز نفوذها في مواجهة النفوذ الغربي التقليدي. الجزائر، التي تاريخياً حاولت الحفاظ على دور محوري في المنطقة، تجد نفسها في موقف دفاعي
– **الموقف الجزائري**:
التعبئة العامة قد تكون رسالة ردع لمالي وفاغنر، مع إشارة إلى استعداد الجزائر للدفاع عن سيادتها. كما قد تكون موجهة للداخل الجزائري لتعبئة الرأي العام في مواجهة الضغوط الإقليمية، خاصة مع المغرب.
– **المغرب والصحراء**:
لا توجد أدلة مباشرة تربط التعبئة الجزائرية بتحرك عسكري مغربي وشيك، لكن التوترات الحدودية مع مالي قد تعزز المخاوف الجزائرية من سيناريو إقليمي يفيد المغرب، خاصة إذا نجحت مالي في تأمين حدودها بدعم فاغنر، مما قد يسمح للمغرب بتعزيز تحركاته الدبلوماسية أو الاستراتيجية.
– **الصحراء الشرقية**:
المطالبة بالصحراء الشرقية تظل خطاباً مغربياً يُستخدم للضغط على الجزائر، لكنه ليس أولوية عملية حالياً مقارنة بملف الصحراء الغربية. ومع ذلك، أي تصعيد عسكري على الحدود الجزائرية-المالية قد يُستغل لإثارة هذا الملف.
التعبئة العامة الجزائرية هي استجابة متعددة الأبعاد لتهديدات أمنية وسياسية. مع مالي وفاغنر، ترتبط بالتوترات الحدودية وتحركات عسكرية تهدد استقرار الجزائر الجنوبي. أما مع المغرب، فهي تعكس مخاوف من حسم ملف الصحراء الغربية لصالح الرباط، مما قد يعزز مطالب مغربية بالصحراء الشرقية ويزيد عزلة الجزائر إقليمياً. الوضع يظل معقداً، مع تداخل الأجندات الداخلية والإقليمية والدولية، ويتطلب متابعة دقيقة لتطورات الأيام القادمة.