سياسة

تبون يطلب لقاء ترامب لإبلاغه إعتراف الجزائر بمغربية الصحراء والتفاوض من أجل إمتيازات

20/04/2025

أكدت مصادر “قريبة” من مقر الرئاسة الجزائرية، لمعهد آفاق جيوسياسية، أن زملاء الرئيس عبد المجيد تبون بادروا بجهود دبلوماسية لتأمين لقاء قمة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض. وتأتي هذه المبادرة في سياق الضغوط الدبلوماسية الأمريكية غير المسبوقة على الجزائر بشأن قضية الصحراء الغربية.

 

“أمام الضغوط الأمريكية المتزايدة، يعتقد محيط الرئيس تبون أن لقاء مباشر مع ترامب يمكن أن يساعد في تخفيف مطالب واشنطن والحصول على تعويضات كبيرة مقابل تغيير في موقف الجزائر”، حسب ما أفاد مصدرنا الجزائري الذي طلب عدم الكشف عن هويته.

 

محاولة جديدة بعد سلسلة من الإخفاقات

ولا تعد هذه الخطوة المحاولة الأولى التي تقوم بها الجزائر لإنشاء قناة اتصال مميزة مع إدارة ترامب. وكما كشف معهد آفاق جيوسياسية بشكل حصري، فقد نظم وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف بالفعل اجتماعًا سريًا في الدوحة في 16 ديسمبر/كانون الأول 2024، مع رجل أعمال لبناني مؤثر.

 

وكان هدف هذه المهمة هو التواصل مع مايكل بولس، زوج تيفاني ترامب وابن مسعد بولس، المستشار الرئاسي لشؤون أفريقيا والشرق الأوسط. وبحسب مصدرنا الدبلوماسي في الدوحة، قدم الوزير الجزائري بعد ذلك هدية للرئيس ترامب، مؤكدا “رغبة الجزائر في إقامة علاقات مميزة مع إدارة ترامب المستقبلية”.

 

وأمام فشل هذه الخطة الأولى، لجأت الجزائر إلى تفعيل “الخطة البديلة” عبر سفيرها لدى الولايات المتحدة صبري بوقادوم. وفي 7 مارس/آذار 2025، قدم عرضاً دراماتيكياً خلال مقابلة مع صحفيين أميركيين من موقع DefenseScoop، حيث أعلن أن “السماء هي الحد” فيما يتعلق بالتعاون العسكري والأمني مع الولايات المتحدة.

وتضمن هذا التصريح السريالي اقتراحًا بالتعاون في مجال الاستخبارات الأجنبية، على الرغم من أن المديرية العامة للأمن الخارجي الجزائرية خضعت لإعادة هيكلة منتظمة منذ عام 2019، مما أدى إلى فقدان الخبرة والاستمرارية العملياتية.

 

الوساطة الأمريكية كمحفز

ويأتي هذا النهج الجديد للحصول على مقابلة رئاسية بعد يوم من إعلان مسعد بولس عن وساطة قادمة بين المغرب والجزائر. وفي مقابلة له مع قناة العربية يوم 18 أبريل/نيسان، أوضح بولس: “إن الإعلان الأمريكي عن دعم السيادة المغربية على الصحراء لا يعني أن واشنطن غير مهتمة بتقارب وجهات النظر بين المغرب والجزائر”، مضيفا أن “200 ألف لاجئ صحراوي في الجزائر ينتظرون حلا نهائيا”.

 

ويبدو أن الاستراتيجية الجزائرية الآن تقوم على محاولة رفع مستوى الحوار، سعيا لتجاوز مسعد بولس والتوجه مباشرة إلى دونالد ترامب. ويأمل الجزائريون أن يكون ترامب، باعتباره رجل أعمال، أكثر حساسية للحجج الاقتصادية من الاعتبارات الجيوسياسية البحتة التي يدافع عنها مستشاروه، كما يوضح أحد المراقبين للعلاقات الجزائرية الأمريكية.

 

تنازلات حتمية ولكن قابلة للتفاوض

وبحسب مصادرنا فإن الرئاسة الجزائرية قبلت مبدأ التغيير الكبير في موقفها من الصحراء، لكنها تسعى إلى التفاوض على الشروط والتعويضات على أعلى مستوى.

 

«أدرك الرئيس تبون أن اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة المغربية لا رجعة فيه. لم يعد الأمر يتعلق بمعارضته بشكل مباشر، بل بالتفاوض على هذا التحول الدبلوماسي بأفضل شكل ممكن»، يوضح مصدرنا.

 

ويشكل هذا التطور نقطة تحول مهمة بالنسبة للجزائر، التي ظل موقفها من الصحراء مبدأ غير ملموس في سياستها الخارجية منذ ما يقرب من خمسة عقود.

 

العرض الجزائري: وعود مبالغ فيها

لقد وصلت محاولات إدارة ترامب السابقة للإغراء إلى أبعاد مذهلة، كما كشف معهدنا في يناير/كانون الثاني 2025. ثم عرضت الجزائر التزامًا بشراء أسلحة أمريكية بقيمة 15 مليار دولار سنويًا، ودفع فوري بقيمة 500 مليون دولار لأوكرانيا، وطلب صريح للمساعدة في تطبيع العلاقات مع إسرائيل – كل ذلك في مقابل سحب أو تجميد اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على الصحراء.

وقد مثلت هذه المقترحات إنكاراً تاريخياً ثلاثياً من قبل النظام الجزائري: التخلي عن الموقف التقليدي المؤيد للفلسطينيين، والقطيعة مع الحليف الروسي، ومحاولة إعادة إنتاج النموذج المغربي للتطبيع بعد إدانته بشدة.

وكانت ردود الفعل من مصادر مقربة من إدارة ترامب لا لبس فيها، حيث أكدت أنه “من غير المحتمل، إن لم يكن من المستحيل، أن يضحي ترامب والدولة العميقة الأمريكية بالعلاقة المميزة مع المغرب من أجل الاعتماد على شريك غير موثوق به مثل الجزائر”. »

التهديد بتصنيف البوليساريو كمنظمة إرهابية أجنبية

وتأتي الخطوة الجزائرية أيضًا في وقت أصبح فيه التهديد بتصنيف جبهة البوليساريو كمنظمة إرهابية أجنبية من قبل الولايات المتحدة أكثر إلحاحًا. وتقدم المقالة التي نشرها معهد هدسون في 18 أبريل/نيسان، تحت عنوان “الحجة الاستراتيجية لتصنيف جبهة البوليساريو كمنظمة إرهابية أجنبية”، حججاً قانونية مفصلة لصالح مثل هذا التصنيف.

وبحسب دبلوماسي أوروبي مقيم في الجزائر: “يُشكل هذا التهديد أداة ضغط بالغة القوة على الجزائر. ومن شأن تصنيف البوليساريو كمنظمة إرهابية أجنبية أن يُعقّد الموقف الجزائري بشكل كبير، قانونيًا ودبلوماسيًا.

وهذا السياق يفسر مدى إلحاح الخطوات التي اتخذتها الرئاسة الجزائرية، التي تسعى إلى منع التصعيد الذي قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار.

 

مساحة محدودة للمناورة

وتأتي محاولة تأمين لقاء في البيت الأبيض في الوقت الذي تتضاءل فيه الخيارات الدبلوماسية أمام الجزائر بشكل كبير. وقد أكد الاجتماع الأخير لمجلس الأمن في 14 أبريل/نيسان إعادة صياغة مهمة ستيفان دي ميستورا بشكل أساسي، حيث أصبحت الآن موجهة حصريا نحو تنفيذ خطة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.

 

وكما اعترف الرئيس تبون مؤخرا في مقابلة مع صحيفة “لوبينيون” الفرنسية: “لقد رفضنا في الوقت الراهن توريد الأسلحة إلى البوليساريو”، وهي صيغة توضح تأثير الضغوط الأمريكية على الموقف الجزائري.

 

أولويات الجزائر الجديدة

وستركز أولويات الرئاسة الجزائرية في هذا اللقاء المحتمل مع ترامب على ثلاث نقاط أساسية:

الضمانات الإنسانية :

الحصول على ضمانات رسمية بشأن مصير سكان مخيمات تندوف كجزء من حل النزاع

الشراكة الاقتصادية :

التفاوض على اتفاقية شراكة اقتصادية مميزة مع الولايات المتحدة، وخاصة في قطاعي الطاقة والتعدين

الانتقال التدريجي :

ضمان فترة انتقالية طويلة بما يكفي بحيث لا يبدو تغيير الموقف بمثابة استسلام
ويضيف مصدرنا، مسلطا الضوء على التداعيات السياسية الداخلية لمثل هذا التحول، “بالنسبة لتبون، من الضروري تقديم أي تغيير في الموقف باعتباره مساهمة في السلام الإقليمي، وليس هزيمة دبلوماسية ضد المغرب”.

 إعادة تشكيل جيوسياسي كبير

تشكل الخطوة الجزائرية لتأمين لقاء مع ترامب لحظة محورية في تطور قضية الصحراء. وسواء نجح هذا الأمر أم لا، فإنه يشير إلى إدراك الجزائريين أن الوضع الراهن لم يعد قابلاً للاستمرار في مواجهة التصميم الأميركي.

وكما لخص أحد المحللين الإقليميين الوضع: “نشهد إعادة تشكيل جيوسياسية كبرى في المغرب العربي، حيث يُشكّل الاعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية حافزًا يُجبر جميع الأطراف على إعادة النظر في مواقفها. الجزائر، التي لطالما اتسمت بالتصلب في هذه القضية، تدخل الآن مرحلة تفاوض، سعيًا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من موقف أصبح واهيًا”.

ومن ثم فإن العام 2025، الذي يصادف الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء، قد يشهد التوصل إلى حل نهائي للصراع في الصحراء الغربية، بما يترتب على ذلك من آثار عميقة على التوازن الجيوسياسي في المنطقة بأكملها.

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button