هوس حزب فوكس اليميني المتشدد بعسكرة مدينتي سبتة ومليلية: محاولات لتقويض الأمن الأوروبي

يبدو أن هوس حزب “فوكس” اليميني المتشدد بعسكرة المدينتين المحتلتين سبتة ومليلية لا حدود له. ففي خطوة جديدة تضاف إلى سلسلة من التصريحات والمقترحات المثيرة للجدل، طالب الحزب، في وقت سابق، ببناء جدار عازل بين المدينتين وباقي التراب المغربي، محاولًا تعزيز فكرة عزل المدينتين عن محيطهما الجغرافي والسياسي. ولكن الأمر لم يتوقف هنا، بل وصل إلى حد تقديم تعديل داخل البرلمان الأوروبي يطالب فيه بحماية عسكرية للمدينتين، استنادًا إلى فكرة “الخطر الداهم” الذي يمثله الجنوب. هذه التصريحات تعكس عقلية حزب فوكس المتعصبة والمفرطة في تأويل الأحداث الجيوسياسية.
وفي سعيه للضغط على المؤسسات الأوروبية، يحاول الحزب إقناع الأوروبيين بنظرية “خطر الجنوب التقليدية” التي كانت جزءًا من الفكر العسكري الإسباني، معتبرًا أن المدينتين بحاجة إلى دعم عسكري فوري لحمايتهما من تهديدات مزعومة. ومع ذلك، فإن الأوروبيين أصبحوا يدركون أن التهديدات الأمنية الأكثر إلحاحًا بالنسبة لهم تأتي من الشرق، في حين أن التركيز على عسكرة سبتة ومليلية لا يعكس الواقع الجيوسياسي الراهن.
من جهة أخرى، كان الحزب الاشتراكي الإسباني بقيادة رئيس الحكومة بيدرو سانشيز أكثر عقلانية في التعامل مع هذا الموضوع. فبينما يسعى حزب فوكس إلى تحفيز الأطراف المتشددة داخل المؤسسة العسكرية الإسبانية عبر تقديم مقترحات غير واقعية، تصدى الحزب الاشتراكي لغزعبلات فوكس، وصوّت ضد تعديلاته، مدافعًا عن السياسة المتوازنة التي تضمن الأمن في المنطقة دون الانجرار وراء الأجندات العسكرية المتطرفة.
الهدف الأسمى لحزب فوكس بقيادة سنتياغو أبسكال هو إرضاء الأطراف العسكرية المتشددة التي تتاجر بملف سبتة ومليلية من أجل الحصول على امتيازات خاصة تتعلق بميزانية الدفاع. وهذا التوجه لا يعكس سوى محاولات ضغط على الحكومة الإسبانية، خاصة في وقت حساس يتطلب الحكمة والحلول الدبلوماسية المدروسة.
أما فيما يتعلق بملف سبتة ومليلية، فإنه لا يقتصر على أبعاد عسكرية أو أمنية فحسب، بل له سياقاته التاريخية التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالعلاقات الثنائية بين المغرب وإسبانيا. ولقد تم دائمًا معالجة هذا الملف في إطار دبلوماسي يتجاوز محاولات استعراض القوة أو “المفرقعات” التي يحاول حزب فوكس إدخالها إلى ساحة البرلمان الأوروبي، في محاولة غير مجدية لتحويل القاعة إلى “صالة كمال أجسام” سياسية.
إن الأوروبيين على وعي تام بأجندة فوكس، ويعرفون تمامًا أن التعاون مع المغرب كشريك موثوق في مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية يعد جزءًا أساسيًا من الاستراتيجية الأمنية الأوروبية. ولهذا، فإن التوجهات المتشددة التي يسعى حزب فوكس لفرضها لا تجد لها أية أرضية صلبة في الفكر الأوروبي السائد، الذي يرى في المغرب شريكًا أساسيًا في الأمن والاستقرار في المنطقة.