سياسة

هل تراهن الجزائر على “استراتيجية حافة الهاوية”؟

04/05/2025

بعد تحليلنا السابق حول التوترات المتزايدة في الجزائر بعنوان “تحليل استشرافي: الجزائر تحت ضغط مرتفع، توقع المناورات القادمة للسلطة الجزائرية”، تكشفت معلومات (يجب أخذها بعين الاعتبار مع الحذر رغم موثوقية المصدر) حصل عليها معهد الجغرافيا السياسية آفاق، تكشف ما قد يشكل الاستراتيجية الجزائرية على المدى المتوسط تجاه المغرب وقضية الصحراء. وقد وصفت هذه الاستراتيجية من قبل مصدرنا بأنها تهدف إلى “التفاوض تحت ضغط عالٍ”، مما يشير إلى تحول محتمل خطير في العلاقات الثنائية والإقليمية
استراتيجية حافة الهاوية
تشير استراتيجية حافة الهاوية إلى تكتيك دبلوماسي أو عسكري يهدف إلى دفع وضع متوتر إلى حافة الصراع أو الانفصال، دون أن يتم تشغيله فعليًا، من أجل الحصول على تنازلات من الخصم أو فرض وساطة.
شاعت هذه الاستراتيجية خلال الحرب الباردة، وخاصة من قبل جون فوستر دالاس، وزير الخارجية الأمريكي تحت إدارة دوايت آيزنهاور في الخمسينيات، وتعتمد هذه المقاربة على تصعيد متحكم فيه للتوترات حتى عتبة المواجهة المفتوحة. هدفها هو جعل الخصم والجهات الثالثة يعتقدون أنهم مستعدون لفعل كل شيء، حتى الأسوأ، للضغط من أجل اتخاذ قرار.
تتضمن هذه الاستراتيجية خطرًا جوهريًا كبيرًا: إنها تلعب على حافة التصعيد. إذا أخطأ أحد اللاعبين في حساباته أو إذا حدث حادث خارج عن السيطرة، يمكن أن تتحول الأزمة إلى صراع مفتوح، كما يتضح من أزمة الصواريخ الكوبية في عام 1962، حيث اقتربت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي من مواجهة نووية.
وفقًا لمصدرنا المعهود في الجزائر، يبدو أن النظام الجزائري يفكر تحديدًا في هذه المقاربة: أولاً خلق تصعيد للتوترات مع المغرب إلى مستوى قريب من الصراع المسلح، ثم التقرب كقوة مصالحة تعرض مفاوضات شاملة.
تهدف هذه الاستراتيجية إلى خلق شروط وساطة دولية يخرج فيها الجزائر عن المسألة الصحراوية فقط – وهي القضية التي ضعفت فيها مواقفها بشكل كبير في السنوات الأخيرة – لكنها قد توسع نطاق المناقشات لتشمل جميع العلاقات الثنائية والإقليمية.
تأتي هذه المناورة في سياق حيث، كما أكدنا في تحليلنا بتاريخ 22 أبريل حول “أدوات النفوذ الأمريكي على الجزائر”، يجد النظام الجزائري نفسه في موقف دبلوماسي هش بشكل خاص، ويواجه إحاطة دبلوماسية غير مسبوقة وتهديد تصنيف جبهة البوليساريو كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة.

1) التنازلات المحتملة من الجزائر: 

إن حجم التنازلات التي يبدو أن الجزائر مستعدة لتقديمها في إطار التفاوض الشامل هو بلا سابقة في تاريخ العلاقات الجزائرية المغربية. وفقًا لمصدرنا، تنظر الجزائر إلى إمكانية تنازلها عن:
سحب دعمها لجبهة البوليساريو
الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء
سحب دعمها لحزب الوطني الريفي
استعادة العلاقات الدبلوماسية
إعادة فتح الحدود لاحقًا حسب جدول أمني سيتم تحديده
وقف الحملات الإعلامية المعادية للمغرب

إذا تم تقديم هذه التنازلات بالفعل، فإنها ستشكل تحولاً جذريًا في الموقف الجزائري بعد خمسين عامًا من الاستثمارات الدبلوماسية المالية والأيديولوجية في قضية الصحراء. ستشير إلى قبول الجزائر بهزيمة استراتيجية في هذه القضية، بينما تحاول تقليل تأثير ذلك على مكانتها الإقليمية.

2)  التعويضات المطلوبة: 

في مقابل هذه التنازلات الكبرى، ستسعى الجزائر للحصول على ضمانات ملموسة من المغرب بشأن عدة مسائل تُعتبر حيوية لأمنها الوطني ومصالحها الاقتصادية:
احترام المغرب لـ “العمق الاستراتيجي الجزائري” في منطقة الساحل
وقف “صادرات” راتنج القنب نحو الأراضي الجزائرية
عدم استضافة المغرب للمعارضة الجزائرية
اعتراف رسمي بالحدود الموروثة عن الاستعمار
ممر حصري نحو الأطلسي لتصدير خام معدن غارة جبيليت
إلغاء اتفاقية استغلال احتياطي غارة جبيليت من قبل شركة مختلطة
إعادة سكان مخيمات تندوف الذين يرغبون في العودة إلى المغرب
تُظهر هذه القائمة من المطالب المخاوف الأساسية الجزائرية. تظهر قضية الساحل كمركزية، في وقت شهدت فيه الجزائر تنافسًا على نفوذها التقليدي في المنطقة من قبل مالي والنيجر وبوركينا فاسو، التي أصبحت الآن ضمن تحالف دول الساحل (AES) وتظهر عداءً واضحًا تجاه الجزائر. يُظهر حادث الطائرة المسيرة المالي التي تم إسقاطها في 1 أبريل 2025، المشار إليه في تحليلنا السابق، تدهور العلاقات هذا.
كما تشير مطالبة الممر الحصري نحو الأطلسي لتصدير خام غارة جبيليت إلى الطموحات الاقتصادية الجزائرية ورغبتها في تنويع الاقتصاد الذي لا يزال يعتمد بشكل مفرط على الهيدروكربونات.

3) الدوافع العميقة: 

تتناسب هذه الاستراتيجية مع منطق حماية النظام من ما قد يشكل إهانة وطنية كبرى. كما يبرز مصدرنا، “تعتقد الجزائر أنها تستطيع تجنب الضغوط الحصرية المتعلقة فقط بقضية الصحراء التي لن تمنحها أي (أو هامش ضئيل وغير كافٍ) للمناورة والمفاوضات، مما سيضعها في وضع سيئ للغاية في وجه الرأي العام.”
تفسر مخاوف رد فعل شعبي عنيف تجاه ما قد يُعتبر استسلامًا في قضية الصحراء هذه المحاولة لتوسيع نطاق النقاشات. يخشى النظام الجزائري، الذي دمج قضية الصحراء في الرواية الوطنية لعقود، أن يقبل الرأي العام هزيمة أمام المغرب دون الحصول على تعويضات ملموسة.
تتوافق هذه القلق مع تحليلنا بتاريخ 1 مايو حول التوترات الداخلية في الجزائر، حيث أشرنا إلى أن “التطور التدريجي لجهاز المراقبة والسيطرة الداخلية يبدو مرتبطًا مباشرةً بوجهات نظر تطورات غير مواتية للغاية للجزائر في قضية الصحراء.”

 4) الدور المحتمل لعمان: 

عنصر قد يُسرع هذه الاستراتيجية هو الزيارة الرسمية التي يقوم بها سلطان عمان إلى الجزائر لمدة يومين. هذه الدولة الخليجية تتمتع بسمعة دولية قوية كوسيط خفي وموثوق وعادل، خاصة في العالم العربي.تجعله عوامل عدة وسيطًا محتملاً فعالًا:
حياده المستمر في النزاعات الإقليمية الكبرى
دوره المعترف به في وساطات رئيسية، بما في ذلك الاتفاقات الأولية بين الولايات المتحدة وإيران في عام 2013
صورته كدولة معتدلة تتمتع بالاحترام من الحكومات الغربية والآسيوية
قدرته على الحوار مع جميع الفاعلين الإقليميين والدوليين
قد تشكل زيارة السلطان هيثم بن طارق خطوة أولى نحو تفعيل هذه الاستراتيجية الجزائرية (قبل الموعد المحدد لها)، من خلال توفير قناة دبلوماسية خفية لاستكشاف ردود الفعل المغربية على مثل هذه الاقتراحات لتفاوض شامل.

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button