يبدو أن نظام الكابرانات في الجزائر قد وصل إلى مرحلة متقدمة من الهستيريا الجماعية، بعد أن فشل في تحقيق أي من أهدافه السياسية ضد المغرب. ففي وقتٍ تتراجع فيه صورة النظام داخليًا ويخيم عليه الفشل في شتى المجالات، يعمد النظام إلى استخدام أساليب ملتوية لحفظ ماء وجهه على الساحة الدولية، حتى وإن كانت هذه الأساليب عبارة عن تهجمات فارغة وتلفيق أكاذيب. آخر هذه المحاولات تمثل في طرد دبلوماسي مغربي من الجزائر بحجة واهية هي “التصرفات المشبوهة”، دون أن يقدم النظام أي دليل ملموس على هذه التصرفات.
هذه الإجراءات، التي تتزامن مع تصعيد لهجة العداء ضد المغرب، تخفي وراءها واقعاً أكثر قتامة: قمع الحريات داخل الجزائر. في وقت تشهد فيه الجزائر انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان، لا يزال الكتاب والصحفيون مثل بوعلام صنصال، البالغ من العمر أكثر من 75 عامًا، يقبعون خلف القضبان بسبب آرائهم التي تتناقض مع الخط الرسمي للنظام. هذا الموقف يثير تساؤلات عن مصداقية حديث النظام عن “الأعراف الدولية”، بينما هو في الحقيقة يقوم بتكميم أفواه المثقفين والزج بهم في السجون.
لا يمكن فهم هذه التصرفات على أنها مجرد ردود فعل عابرة. بل هي مؤشر على الأزمة الداخلية التي يعيشها النظام الجزائري، والذي يحاول تغطية فشله في معالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية الحادة، مثل البطالة والفقر، بإثارة الصراع مع جيرانه. بدلاً من العمل على تحسين وضع الشعب الجزائري، يظل النظام يبحث عن عدو خارجي ليشغل به الرأي العام. هل أصبح النظام الجزائري يخشى حتى الدبلوماسيين المغاربة إلى هذا الحد؟ أم أن الطرد هو مجرد أداة أخرى للتغطية على الفشل الداخلي؟
ولعل أكثر ما يثير الاستغراب هو التناقض بين مواقف النظام الجزائري وبين استضافته للمرتزقة من جبهة البوليساريو الذين يتحركون بحرية داخل الجزائر ويحظون بدعم رسمي. هؤلاء “الدبلوماسيون” المزورون يتخذون من الجزائر قاعدةً لنشر الكراهية والتحريض ضد المغرب، بينما النظام ذاته يتخذ من الطرد البائس للدبلوماسيين وسيلةً لتعزيز سلطته المهددة.
في النهاية، ما لا يدركه جنرالات المرادية هو أن المغرب لا يلتفت لمثل هذه التصرفات، ولا يتوقف أمام محاولات التشويش المراهقة. فالمغرب يمضي في مساره بثقة، في حين يبقى النظام الجزائري غارقًا في أوهامه، يسعى جاهدًا لإبقاء قبضة الحكم في يده عبر صناعة أزمات وهمية والتشويش على أنظار شعبه.